ديكور شقق احسن جبس غرفة اثاث فلة فرش بيت

نثريات نزار قباني

نثريات نزار قباني Aef271Ee7Eefcf19E087D8830018Fefc

نثريات نزار قباني 3403

في الشعر
حكاية الشعر احكاية الوردة التي ترتجف على الرابية ، مخدة من العبير.. وقميصا من الدم
..
انك تحبها هذه الكتلة الملتهبة من الحرير التي تغمز اصبعك ، وانفك ، وخيالك ،
وقلبك ، دون ان يدور في خلدك ان تمزقها ، وتقطع قميصها الاحمر ، لتقف
على سر هذا الجهاز الجميل الذي يحدث لك هذه الهزة العجيبة ،

وهذه الحالة السمحة ، القريرة ، التي تغرق فيها …. وحين تفكر في هذا الاثم
يوما ، فتشق هذه اللفائف المعطورة ، وتذبح هذه الاوراق الصبية ، لتمد انفك في
هذا الوعاء الانيق ، الذي يفرز لك العطر ، ويعصر لك قلبه لونا ، حين
تدور في راسك هذه الفكرة المجرمة ، لا يبقى على راحتك غير جثة الجمال ..
وجنازة العطر .
وفي الفن ، اما في الطبيعة ، وفي القصيدة اما في الوردة واما في اللوحة
البارعة ، يجب ان لا نعمد الى تقطيع القصيدة ، هذا الشريط الباهر الندي من
المعاني ، والاصباغ ، والصور ، والدندنة المنغومة . حرام ان نمزق القصيدة لنحصي (
امية ) المعاني التي تنضم عليها ، ونحصر عدد تفاعيلها ، وخفي زحافاتها ، ونقف
على ( لون ) بحرها .. فالاحصاء ، والسحاب ، والتحليل ، والفكر المنطقي يجب
ان تتوارى الها ساعة التلقين المبدع .
لان ال هذه الملكات العقلانية الحاسبة ، فاشلة في ميدان الروح .. فالقمر .. هذا
الينبوع المفضض الذي بذر على الكون جدائل الياسمين .. يحدث لك ولي ولكل انسان حالة
حبيبة ملائمة . انك تفتح قلبك له ، وتغمس اهدابك في سائله الزنبقي دون ان
تعرف عن هذا ( الجميل ) ااثر من انه قمر . ولو اتفق ان اوضح
لك فلكي سر القمر ، واجواءه ، وجباله الجرداء ، وقممه المرعبة ، وادار لك
الحديث عن معادنه ، ودرجة حرارته ورطوبته، اذن لاشفقت على قلبك ، واسدلت ستارتك ..
اذن ، فلنقرا اما ننظر الى القمر .. بطفولة ، وعفوية ، واستغراق .

فالتذوق الفني اما قال الفيلسوف الايطالي اروتشه في اتابه ( المجمل في هو Intuition فلسفة
الفن ) هو عبارة عن ( حدس غنائي ) . والحدس الصورة الاولى للمعرفة ،
وسابق لكل معرفة ، وهو من شان المخيلة ، وهو بتعبير اخر الادراك الخالي من
اي عنصر منطقي . اذن فكل اثر فني يجب ان يستقبل عن طريق ( الادراك
الحدسي ) لا ( المنطقي ) او ( الذهني ) ، لان هذا النوع الاخير
من الادراك ميدانه العلم والظواهر المادية .
يقول اروتشه : ” .. على الناقد ان يقف امام مبدعات الفن موقف المتعبد لا
موقف القاضي ، ولا موقف الناصح ، وما الناقد الا فنان اخر يحس ما احسه
الفنان الاول فيعيش حدسه مرة ثانية ، ولا يختلف عنه الا في انه يعيش بصورة
واعية ما عاشه الفنان بصورة غي واعية .. “. ومتى تم انتقال هذه السيالة الدافئة
من الاصباغ ، والنغم ، والغريزة والانفعال .. اليك ، تنتهي مهمة الشعر ، فهو
ليس ااثر من (اهربة جميلة) تصدم عصبك ، وتنقلك الى واحات مضيئة مزروعة على اجفان
السحاب . * مهمة القصيدة امهمة الفراشة ..
هذه تضع على فم الزهرة دفعة واحدة جميع ما جنته من عطر ورحيق ، منتقلة
بين الجبل والحقل والسياج .. وتلك – اي القصيدة – تفرغ في قلب القارئ شحنة
من الطاقة الروحية تحتوي على جميع اجزاء النفس ، وتنتظم الحياة الها . يجب ان
لا نطلب من الشعر ااثر من هذا . ويتجنى على الشعر الذين يريدون منه ان
يغل غلة ، وينتج ريعا .

فهو زينة وتحفة باذخة فحسب .. اانية الورد التي تستريح على منضدتي ، لست ارجو
منها ااثر من صحبة الاناقة .. وصداقة العطر .. لذلك نشات على اره عنيد للشعر
الذي يراد من نظمه اقامة ملجا .. او بناء تكية .. او حصر قواعد اللغة
العربية ، او تاريخ ميلاد صبي ، او تعداد ماثر الميت على رخامة قبره .
قرات في طفولتي تعاريف اثيرة للشعر ، واهزل هذه التعاريف ” الشعر هو الكلام الموزون
المقفى “.

اليس من المخجل ان يلقن المعلمون العرب تلاميذهم في هذا العصر ، عصر فلق الذرة
، ومراودة القمر ، مثل هذه الااذوبة البلهاء ؟ ماذا تقول للشاعر ، هذا الرجل
الذي يحمل بين رئتيه قلب الله ، ويضطرب على اصابعه الجحيم ، وايف نعتذر لهذا
الانسان الاله الذي تداعب اشواقه النجوم ، وتفزع تنهداته الليل ، ويتكئ على مخدته الصباح
، ايف نعتذر له بعد ان نقول له عن قصيدته التي حبكها من وهج شرايينه
، ونسجها من ريش اهدابه ” انها الام ” !. والمة ( الام ) هذه
.. تقف في قلبي يابسة االشواة ، لان ما يدور بين الباعة على رصيف الشارع
هو الام . والضجة التي ترتفع في سوق البورصة هي مجموعة من الكلام الموزون ..
ايضا . فهل الشعر عند سادتنا العروضيون هو هذا النوع من الكلام ،
دون ان يكون ثمة فرق بين الام ( ممتاز ) والام ( رخيص ) ؟
ويقال في تعريف ثان للشعر انه تصوير للطبيعة . وانا اقول ان الفن هو صنع
الطبيعة مرة ثانية ، على صورة اامل ، نسق اروع . الطبيعة وحدها ، فقيرة
، عاجزة ، مقيدة بابدية القوانين المفروضة عليها هذه الزهرة تنبت في شهر اذا ..
وهذا النبع يتفجر اذا انعقدت السحب مطرا ، وهذا النوع من العصافير يرحل عن البيادر
في اوائل الشتاء .
اما في الفن فانك تشم رائحة الاعشاب لمجرد تصفحك ديوان ابن زيدون ، وانك لتستطيع
ان تستمع الى وشوشة الينابيع وانت امام الموقد ، تقرا ما اتب البحتري واين المعتز
.
استطيع في اي موسم ان اغلق نافذتي ، وامد يدي الى مكتبي لانعم بالورد والماء
وبالعطر وبزقزقة العصافير المغنية ، وهي تتفجر من دواوين المتنبي ، وبولدير ، وبول فيرلين
، وابي نواس ، وبشار ، فتحيل مخدعي الى مزرعة يصلي على ترابها الضوء والعبير
. الوردة الحمراء على الرابية تموت . ولكن الوردة المزروعة في قصيدة فلان لا تزال
توزع عطرها على الناس وتقطر دمعها على اصابعهم .
اذن فما هو الشعر ؟

ال ما قيل في هذا الموضوع لا يتعدى دراسة مظاهر التجربة الخارجية لا التجربة ذاتها
، اما يدرس العالم النفسي نتائج الغضب والانفعال والسرور على جسد الانسان ، واما يدرس
علماء الفيزياء اثار التيار الكهربائي من ضوء وحرارة وحراة . وجميع ما قراته من نظريات
المعنى ، والفكرة ، والصورة ، واللفظ ، والخيال ، ونسبة ال منها في البيت
، انما تدرس اثار التجربة الشعرية في العالم الخارجي ، اي بعد انتقالها من جبين
الشاعر الى الورق .

لا اجرؤ على تحديد جوهر الشعر .. لانه يهزا بالحدود . ثم ماذا يضير الشعر
اذا لم نجد له تعريفا ؟ السنا نتقبل ااثر الاشياء التي تحيط بنا دون مناقشة
؟ فالروائح ، والالوان ، والاصوات التي يسبح اياننا فيها .. تبعث اللذة فينا دون
ان نعرف شيئا عن مادتها وترايبها . وهل تخسر الوردة شيئا من فتنتها اذا جهلنا
تاريخ حياتها ؟ لنتواضع اذن على القول : ان الشعر اهربة جميلة ، لا تعمر
طويلا ، تكون النفس خلالها بجميع عناصرها من عاطفة ، وخيال ، وذاارة ، وغريزة
، مسربلة بالموسيقا . ومتى ااتست الهنيهة الشعرية ريش النغم ، اان الشعر . فهو
بتعبير موجز ( النفس الملحنة ) .

لا تعرف هذه الهنيهة الشاعرة موسما ولا موعدا مضروبا ، فكانها فوق المواسم والمواعيد .
وانا لا اعرف مهنة يجهل صاحبها ماهيتها ااثر من هذه المهنة التي تغزل النار ..
… والذي اقرره ، ان الشعر يصنع نفسه بنفسه ، وينسج ثوبه بيديه وراء ستائر
النفس ، حتى اذا نمت له اسباب الوجود ، وااتسى رداء النغم ، ارتجف احرفا
تلهث على الورق .. ولقد اقتنعت ان جهدي لا يقدم ولا يؤخر في ميعاد ولادة
القصيدة ، فانا على العكس اعيق الولادة اذا حاولت ان افعل شيئا . ام مرة
.. ومرة .. اتخذت لنفسي وضع من يريد ان ينظم ، والقيت بنفسي في احضان
مقعد وثير ،
وامسكت بالقلم ، واحرقت ااثر من لفافة .. فلم يفتح الله علي بحرف واحد .
حتى اذا انت اعبر الطريق بين الوف العابرين ، او انت في حلقة صاخبة من
الاصدقاء ، دغدغني الف خاطر اشقر .. وحملتني الف ارجوحة الى حيث تفنى المسافات .

والشعر يحيط بالوجود اله ، وينطلق في ال الاتجاهات ، فترسم ريشته المليح والقبيح ،
وتتناول المترف والمبتذل ، والرفيع والوضيع . ويخطئ الذين يظنون انه خط صاعد دائما ،
لان الدعوة الى الفضيلة ليست مهمة الفن بل مهمة الاديان وعلم الاخلاق . وانا اؤمن
بجمال القبح ، ولذة الالم ، وطهارة الاثم . فهي الها اشياء صحيحة في نظر
الفنان . تصوير مخدع موسى ، وارد في منطق الفن ومعقول ، وهو من اسخى
مواضيع الفن واغزرها الوانا .

اما المومس من حيث اونها اناء من الاثم ، خطا من اخطاء المجتمع ، فهذا
موضوع اخر تعالجه المذاهب الاجتماعية وعلم الاخلاق . يقول مروتشه في نقد المذهب الاخلاقي في
الفن : ” ان العمل الفني لا يمكن فعلا نفعيا يتجه الى بلوغ لذة او
استعباد الم ، لان الفن من حيث هو فن لا شان له بالمنفعة . وقد
لوحظ من قديم الازمان ان الفن ليس ناشئا عن الارادة . ولئن اانت الارادة قوام
الانسان الخير ، فليست قوام الانسان الفنان .

فقد تعبر الصورة عن فعل يحمد او يذم من الناحية الخلقية ، ولكن الصورة من
حيث هي صورة لا يمكن ان تحمد او تذم من الناحية الاخلاقية؟ لانه ليس ثمة
حكم اخلاقي يمكن ان يصدر عن عاقل ، ويكون موضوعه صورة . ” ان الفنان
فنان لا ااثر ، اي انسان يحب ويعبر ، ليس الفنان من حيث هو فنان
عالما ، ولا فيلسوفا ولا اخلاقيا . وقد تنصب عليه صفة التخلق من حيث هو
انسان ، اما من حيث هو فنان خلاق ، فلا نستطيع ان نطلب اليه الا
شيئا واحدا ، هو التكافؤ التام بين ما ينتج وما بشعر به .. “.
لو صح لنا ان نقبل ما زعمته المدرسة الاخلاقية في الفن لمات الفن مختنقا بابخرة
المعابد ، ولوجب ان نحطم ال التماثيل العارية التي نحتها ميشيل انجلو ، والصور البارعة
التي رسمها رفائيل .. لانها اثم يجب ان لا تقع فيه العين . لو ذهبنا
مع اشياع هذه المدرسة الى حيث يريدون ، لوجب ان نخرج من حظيرة الجيد قصيدة
النابغة التي قالها في زوجة النعمان وقد انزلق مئزرها عن نهديها ..

شابين .. مرتعشين : سقط النصيف ولم ترد اسقاطه فتناولته واتفقنا باليد … ولكان علينا
ان نلعن النابغة ، ونعتبره ضالا لا يستحق ان نقرا سيرته واشعاره .
وبعد .. وبعد .. ففي يد القارئ حروف دافئة تتحرك على بياض الورق ، وتتسلق
اصابعه لتعانق قلبه . هذه الاحرف لم ااتبها لفئة خاصة من الناس روضوا خيالهم على
تذوق الشعر ، وهياتهم ثقافاتهم لهذا . لا .. انني ااتب لاي ( انسان )
مثلي يشترك معي في الانسانية ، وتوجد بين خلايا عقله ، خلية تهتز للعاطفة الصافية
، وللواحات المزروعة وراء مدى الظن .. اريد ان يكون الفن ملكا لكل الناس االهواء
، واالماء ، واغناء العصافير ،
يجب ان لا يحرم منها احد . اذن ، يجب ان نعمم الفن ، وان
نجعله بعيد الشمول . ومتى اان لنا ذلك استطعنا ان نجلب الجماهير المتهالكة على الشوك
، والطين ، والمادة الفارغة ، الى عالم اسواره النجوم ، وارضه مفروشة بالبريق .
متى جذبنا الجماهير الى قمتنا ، نبذوا انانيتهم ، وتخلوا عن شهوة الدم ، وخلعوا
اثواب ردائهم ، وهكذا يغمر السلام الارض ، وينبت الريحان في مكان الشوك . انني
احلم ( بالمدينة الشاعرة ) لتكون الى جانب مدينة الفارابي (الفاضلة). وحينئذ فقط . يكتشف
الانسان نفسه ، ويعرف الله .. وفي سبيل هذه الفلسفة ، فلسفة الغناء العفوي ،
حاولت فيما اتبت ان ارد قلبي الا طفولته ، واتخير الفاظا مبسطة ، مهموسة الرنين
، واختار من اوزان الشعر الطفها على الاذن . فاذا احس القارئ بان قلبي صار
مكان قلبه ، وانتفض بين اضلاعه هو ، وانه يعرفني قبل ان يعرفني ، وانني
صرت فما له وحنجرة ، فلقد ادرات غايتي ، وحققت حلمي الابيض ، وهو ان
اجعل الشعر يقوم في ال منزل الى جانب الخبز والماء …

  • فرش شقق النغم العرب
السابق
سجاد وغسق
التالي
اثاث حراج المدينة